إذا أحببت شخصًا حبًا صادقًا، ثم عمل معك ”الجلاشة“ (على رأي مصطفى جمال :D)، فما سيكون موقفك منه؟
لاحظ أنني قلت ”حبًا صادقًا“، لأنك لو تكن قد أحببته حبًا صادقًا فإنك تستحق تلك الجلاشة التي عملها معك..
لو أحببته حبًا صادقًا، لتمنيت له الخير، ولأردت له أن يكون سعيدًا في حياته بعد انقطاع علاقته بك، ولتناولت الجلاشة عن طيب خاطر واعتبرتها مكافأة نهاية خدمة، ولتجاوزت علاقتك به وبدأت تستأنف حياتك من جديد..
أي شخص إيجابي سيفعل هذا..
بالطبع، هذا الكلام نظري أكثر منه عملي، فمعظم الناس ستمتلأ قلوبهم بالتوتر والشحناء، ولن يقبلوا تناول الجلاشة مطلقًا بغض النظر عن مقدار السمن البلدي “المنغنغة” فيه، بل سيمسكون بها ويحشرونها في فم ذلك الحبيب النذل، أو ربما في أنفه، أو في مكان آخر بحسب خيالك.. 😀
لكن ما ذهبت إليه أم كلثوم في أغنيتها “ها أسيبك للزمن” يتجاوز كل الحدود المألوفة..
لطالما امتعضت من هذه الأغنية وأنا صغير، خاصة المقاطع التي تتشفى فيها وتعرب بشكل لا يخفى حتى عن طفل صغير عن مقدار من الضغينة والرغبة في الانتقام لا يتناسب مطلقًا مع فكرة وجود الحب بين الشخصين..
يمكن أن تقرأ كلمات تلك الأغنية وتتعجب -مثلي- كيف يتغنى بعض الناس بها..
الندم بعدي ها يفضل جوه قلبك يألمك أكتر ما أعيش العمر أعاتبك..
يا ساتر.. 😀
وبعد ما تخلّص كل كلمات التشفي والبهدلة، إذا بها تقول:
رايحة اسيبك للي ما بيرحم ولا تقدر عليه
مش ح اقول لك انت عارف الزمن راح يعمل ايه
ما هذا الرعب؟
طب ما تقولي له وتخلصيه..
من حق أي إنسان يعرف ها يتفشخ إزاي ..
طب هو مش عايز يعرف إحنا عايزين نعرف 😀
..
ولكنها محقة.. فالزمن لا يرحم.. ولا يقدر عليه بشر..
..
الزمن.. ذلك المفهوم الزائغ صعب الإدراك..
هل تفهم الزمن حقًا؟
يقول الفيزيائيون إن الزمن بدأ مع الانفجار الكبير، وأنه يسير في اتجاه واحد منذ حينها.
يقولون إنه قبل الانفجار الكبير لم يكن هناك زمن، ولا مكان..
فالانفجار الكبير أحدث الزمان والمكان..
ويقولون إن الزمن هو المقياس الذي نقيس به الحركة..
“الزمن ظاهرة حقيقية؛ تغيير مستمر نحيا من خلاله. ونستدل على مروره من خلال الحركة: شروق الشمس وغروبها، الليل والنهار، تعاقب الفصول، حركة الأجرام السماوية.. كل هذه دلائل على التغيير المستمر. حتى عملية التقدم في العمر نفسها هي تذكرة بحركة الجزيئات والتفاعلات بينها، وهي جزء من الزمن”.
لو قرأت في الفيزياء، لأدركت أن المسألة أكثر تعقيدًا بكثير مما تبدو عليه.. وربما تصاب مثلي بضبابية الفهم للزمن، فلا تعد تعرف على وجه اليقين ما هو..
ولماذا لا نعود بالزمن للوراء؟
تلك هي المعضلة.. فالزمن سهم يسير في اتجاه واحد..
ما إن يتخطى نقطة ما، لا يمكن إعادته لها مرة أخرى أبدًا..
يمكنك العودة إلى أي مكان مرة ومرات، ولكن في كل مرة ستكون في زمان مختلف، وبالتالي لن تكون في نفس الموقف بالضبط..
“الإنسان لا ينزل النهر مرتين”..
ومن هنا جاءت فكرة “الندم”..
الرغبة العارمة في العودة بالزمن إلى الوراء للتراجع عن شيء فعلته أو قلته..
التراجع عن إساءة وجهتها دون حق لإنسان..
التراجع عن ظلم ألحقته بروح طيبة لم تكن تستحق سوى الخير..
أو.. الندم الأكبر..
“يا ليتني قدمت لحياتي”..
..
ولكن الزمن يتحرك في اتجاه واحد..
والندم يمكن أن يكون قوة إيجابية أو سلبية بحسب إدراكك وتوظيفك له..
يمكن أن تستخدم الندم كقوة دافعة لتعوّض من تضرر من أفعالك، حتى لو كنت أنت.
وللأسف يمكن أن يصبح الندم قوة سلبية تزيد من الضرر الواقع بالفعل..
من الأشياء الجميلة التي سمعت د. مصطفى محمود يقولها إن أفعال الإنسان مثل عقد مكتمل من الحبات. ليس بوسعك أن تخرج حبة من حبات العقد لا تعجبك وتتخلص منها. فإن صممت على فعل ذلك سينفرط العقد وتتبعثر حباته..
وقديمًا قالوا: “لا تبكِ على اللبن المسكوب”..
وحديثًا نقول.. سيبك من الجلاشة.. وركز في المفيد 🙂
—