بشكل ما، تمكن أينشتاين منذ أكثر من 100 عام أن يتنبأ بوجود ظاهرة فيزيائية فريدة لم يستطع العلماء أن يثبتوا وجودها سوى هذه الأيام.
هذه الظاهرة اسمها بالإنجليزية gravitational waves، أي “موجات..” أيوه.. موجات إيه بقى؟
موجات الجاذبية طبعًا..
لأ.. موجات تثاقلية
لأ.. موجات ثقالية..
لأ.. موجات مش عارف إيه..
أنا: يا رب موجات كهربائية تيجي تكهرب كل اللي مش عايز يتفق على كلمة نستخدمها وخلاص 🙂
بالطبع، لا توجد جهة لغوية معتمدة يمكن الرجوع إليها بسرعة في مثل هذه الأمور. فالمجمع يحتاج إلى وقت وترتيبات للانعقاد، وعلى ما ينعقد تكون الكلمات انتشرت واستخدمها الناس بحيث يصبح تغييرها صعبًا، كما حدث في مرات ومرات لا حصر لها من قبل.
هل تذكرون “تليفزيون” و “راديو” و “كمبيوتر”، وغيرها من الكلمات في مختلف المجالات؟
المشكلة العويصة أن أي عالم لغوي سيحتاج إلى بعض الوقت من أجل دراسة أي موضوع، حتى لو كان بسيطًا مثل هذا، وبالتالي سينقضي الوقت المناسب لاختيار الكلمة. فمبجرد بدء وسائل الإعلام في استخدام المصطلح، سيتعذر التصحيح.
ولكن المشكلة الأكبر -من وجهة نظري- هي آفة الخلاف لدى متحدثي اللغة العربية (وأنا أولهم، حتى لا يظن أحدٌ أنني أنتقد أحدًا).
أنا لا أتحدث عن العاملين في مجال اللغة العربية فقط، وإنما في مختلف المجالات. فنحن ندمن استبعاد ما توصل إليه الآخرون ونعشق البدء من جديد.
تذكرت عندما بدأ الكمبيوتر الشخصي في الظهور، وبدأت الحاجة إلى إدخال الحروف العربية فيه.
في اللغة الإنجليزية، كان هناك جدول “آسكي” ASCII، وهو جدول واحد ومتفق عليه.
ولكن عندما رغب العرب في إدخال الحروف العربية فيه، بدأ الخلاف. فمع ظهور كل نظام تعريب، كان مبتكرو النظام يبتكرون معه ترتيبًا للأحرف العربية، داخل جدول آسكي وعلى لوحة المفاتيح.
بالطبع كانت هذه مسألة مؤلمة لأنها كانت تسبب عدم التوافق. إذا كتبت نصًا بالإنجليزية، بوسعك نقله بسهولة من نظام إلى آخر، ولكن إذا كتبت نصًا عربيًا على تعريب “النافذة”، كنت ستجده قد تحوّل إلى حروف غريبة عند نقله إلى نظام “صخر”، مثلاً.
استمر الحال على هذا المنوال حتى ظهرت عدة صفحات محارف codepages للغة العربية. وهي لا تزال موجودة إلى يومنا هذا لمن يحتاج إليها.
كان أول نظام استخدمته على نطاق واسع هو “صخر”، وكنت أرى ترتيبه منطقيًا للغاية، فهو يضع حرف ؤ فوق حرف و، ويضع حرف ذ فوق حرف د، وحرف ز فوق حرف ر.
وعندما ظهر ويندوز 3، وبدأت محاولات تعريبه، دخلت صفحات المحارف وترتيبات لوحة المفاتيح كلها إليه، واستمر عدم التوافق بينها. ولم ينجدنا من هذا التشتت سوى أن مايكروسوفت قررت أن تتولى بنفسها تعريب ويندوز، فاختارت صفحة واحدة وفرضتها على الجميع وانتهى الأمر.
وعندما بدأت في استخدام ويندوز على نطاق واسع، أصبت بالرعب من أنني سأضطر إلى تعلم الكتابة على لوحة المفاتيح من جديد لأن ترتيب الحروف الذي اختارته مايكروسوفت كان مختلفًا عما اعتدت عليه.
أي إنسان طبيعي كان سيتأقلم مع الحروف الجديدة، ولكنني كنت أجد نظام صخر منطقيًا للغاية، ويساعدني على الكتابة بسرعة فائقة. لذلك، بدلاً من أن أتأقلم مع ترتيب لوحة المفاتيح الجديدة وينتهي الأمر، فإنني استغللت معرفتي بالبرمجة، وكتبت “مكتبة ربط ديناميكي” DLL تعترض رسالة WM_Message لتقوم بتغيير الأحرف بما يتناسب مع ما اعتدت عليه (مبرمجو ويندوز سيعرفون ما أتحدث عنه).
وكانت النتيجة هي إحساس فائق بالسيطرة لأنني كنت أستغل معرفتي بخبايا نظام التشغيل لكي أتحكم فيه بما يتناسب مع احتياجاتي. كنت أستمتع بنظرات الإعجاب التي لا يستطيع الآخرون إخفاءها وهم يرون أنني أكتب بترتيب أحرف غير الذي يكتبون به. وكنت لا أمل من الإجابة عن سؤال “كيف فعلت هذا؟”. كان اختلافي عن الآخرين يغذّي تلك الذات المنتفخة 🙂
ولكن، كان لهذا الموضوع جانب سيء أيضًا. فقد كنت أشعر بأنني مصاب بالشلل الرعاش عندما أجلس على كمبيوتر آخر غير جهازي. فمكتبة الربط لا تكون متوفرة، وبالتالي أجد نفسي وجهًا لوجه أمام ترتيب الحروف الغريب الذي لا أطيقه.
وبدلاً من أن أسمع كلمات الإعجاب بتلك السرعة الفائقة للكتابة على لوحة المفاتيح، كنت أسمع عبارات الشفقة، وكلمات “معلش”.. 😀
وذات يوم، صحوت من نومي على الجانب الخطأ في السرير، فقررت أن أتخلص من هذه المكتبة، ومن لوحة المفاتيح البائدة.
فجلست على الكمبيوتر وأزلت مكتبة الربط الحيوي وأعدت تشغيل الكمبيوتر.
ومن عجب، أن تأقلمي مع لوحة المفاتيح الجديدة لم يستغرق سوى دقائق بسيطة. وبعدها عدت إلى سابق عهدي في الكتابة السريعة المتدفقة على لوحة المفاتيح.
بعض الأشياء التي تخشاها قد تكون في الواقع هينة.
وبعض الاتفاق مع الآخرين لا يقلل من شأنك.