سحر الأزرق

Blue-Mosque-Istanbul-32

لا أدري سر الغرام الذي وقر في قلبي تجاه المسجد الأزرق.

ربما كان سحر الزيارة الأولى. وربما إحساسي القوي بمن عمروا المكان قرونًا قبل أن تطأه قدماي.

كان اليوم جمعة، في طقس متوسط الحرارة. وقعت عيناي على المسجد من بين ثنايا أشجار كثيفة تحيط به.

حجم المسجد والفراغ المحيط به يبعث رهبة الجمال في عين الناظرين.

ومن بعيد أتى صوت القارئ يصدح بآل عمران، بنبرة تتأرجح تحت وطأة المخارج العربية العصية التي لا تلين إلا لمن يفني عمره إتقانًا لها.

دخلت إلى صحن المسجد فنزلت الألفة والسكينة إلى قلبي. اقتصدت الخطى إلى أقرب متكأ فألقيت بحمولي عليه.

استمر القارئ في ترتيله الخاشع، وأنا مشدوه بجمال القراءة والمكان.

أكان من الضروري أن تقرأ من هذه السورة يا شيخنا؟

أكان لزامًا أن يكون صوتك شجيًا هكذا؟

هل أخبرك أحد من قبل أن تلك التعتعة الخفية في قراءتك تضيف سحرًا وخشوعًا لا يُقاوم؟

عجلة الحياة تدور بقسوة من حولي، ولا تترك لي وقتًا أجلس فيه إلى نفسي وأتأمل ما وصلت إليه. فصار صعبًا عليّ أن يحدث ذلك الآن.

لم اخترت هذه السورة يا مولانا؟ أكنت تعرف أني قادم إليك؟ أتعرف تأثيرها عليّ فأردت أن تأسرني أكثر بها؟

وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ

يا الله!

أبحث عن منديل في جيبي. لا أظن تلك العَبَرات ترضى بأن تظل حبيسة.

أجول بعيني في المنمنمات الفائقة في حوائط المسجد هربًا من هذا الشعور الطاغي بالشجن.

يا الله!

كم من شخص جلس مكاني هنا، واستمع مثلي هنا، وسجد بهامته على الأرض هنا؟

أتأمل القبة شديدة التألق في صحن المسجد. أتذكر كيف كان مدرس التاريخ يخبرنا عن استقدام السلاطنة العثمانيين للعمال المهرة من كل بقاع الأرض إلى الأستانة للمساهمة في إعمار مساجدها وقصورها.

كم عامل عكفوا على تلك القبة؟ من أي البلاد جاءوا؟ وكيف انتهى بهم المآل؟

تسلسل لا ينتهي من الأفكار، لم يخرجني منه سوى درس بدأ قبل صلاة الجمعة، بالتركية التي لا أفقه منها سوى كلمة واحدة “تشكّر”..

وما دمت لا أعرف سواها فلأقلها إذن.. “تشكرلر سلطان أحمد”.. المسجد والرجل..

 

4 أفكار بشأن “سحر الأزرق”

  1. لا أدري ما هي الكلمة المناسبة التي أصف بها شعوري عند قراءة هذه الكلمات.. عسى الله أن يُزيدك من نعيم جنة الدنيا وأن يفتح عليك أبواب رحمته ويرضى عنك (F)

  2. اازاي كده !
    خليتني عاوزة ازور المكان واعيش كل تفصيلة كتبتها عنُه ..
    حسستني بمدى روعة الآية رغم حبي الشديد ليها
    شكرًا لـ
    رسايل ربنا اللي بتنوّر القلب واللي قدرت بمُنتهى الروعة تحكي عنها :’)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *