عصافير برشلونة الشاردة

    من كثرة ما سمعت عن النشالين في برشلونة، صرت أسير في شوارعها وعيني في وسط رأسي. وكلما مر شخص بجواري، أجد يدي تتحرك تلقائيًا لتمسك بحقيبة كتفي، أو تطبق على هاتفي. وبينما أقف في الميدان الفسيح لأستشير جوجل مابس عن الطريق الذي يؤدي إلى سوق لابوكوريا الكبيرة، وجدت شيئًا غريبًا يقرض في حذائي.

    كائن ضئيل الحجم ينقر في حذائي وكأنه يريد أن يتناول بعضًا منه.

    “معقولة يكون نشال ومتنكر؟”

    “نشال إيه.. ده لونه أخضر” 😀

    دققت النظر فإذا به طائر صغير وقف في الظل يحتمي من الشمس الساطعة. فورًا قفز مستكشف ناشيونال جيوجرافيك القابع داخلي وبدأ العمل.

    “هذا عصفور”

    “لا، هذا ببغاء”

    إنه يُشبه ببغاء “الفيشر” كما نطلق عليه في مصر، ولكنه أقل منه ألوانًا.

    في البداية ظننته جريحًا لأنه يقف على الأرض، ولكن الفحص الخارجي أكد أنه سليم.

    وبينما أقف مشغولًا بهذا الكائن الغريب، إذا بشابة عشرينية بيضاء فارعة تقف بجواري وتسألني: “هل هو مصاب؟”.

    أنا: “لا بد أنه كذلك، لأنه لا يطير” (إفتاء بلا أي تأنيب ضمير، ولكنه إفتاء منطقي).

    أخرجت الفتاة زجاجة مياه وصبت للطائر بعض الماء على غطاء الزجاجة.

    الطائر يقترب من الماء بتمهل ويبلل منقاره فقط، ثم يتحوّل إلى إصبع الفتاة الكبير ويحاول أن يمضعه.

    ضحكت الفتاة، وبدا لنا جيدًا إن هذا الكائن ليست لديه أية نية للطيران.

    هو لا يخاف، ولا يبدو مصابًا، ولا ينوي الطيران.

    حملت الطائر فوق يدي، فلم يعترض، بالعكس، بدا عليه سرور من كان يسعى للانتباه وناله.

    التقطت صورة له على يدي، وبدأت أتحدث إليه وكأنه يعقل ما أقول.

    الفتاة تؤيد رأيي بأنه طائر أليف وله أصحاب، وأنه ربما وقع من بلكونة في المبنى الذي نقف تحته.

    حاولت الفتاة أن تسأل عند مدخل المبنى فقالوا لها إن المبنى فندق، وبالتالي لا بد أن العصفور أتى من مبنى آخر.

    وبينما نتلفت بحثًا عن شخص نسأله، اقترب منا رجل إسباني في نفس عمري تقريبًا. سألناه عن العصفور، فتجاهل سؤالنا وسألنا هو: “من أي بلد أنتم؟”

    “من مصر”، وما أن سمعها حتى تهلل، وبدأ يحكي بدون توقف عن الفترة التي عاشها في مصر وعن مدى حبه لها.

    حاولت أن أفهمه أنني لست مهتمًا بحكاويه أو سفره حول العالم، وأنني فقط أريد أن أعيد هذا العصفور لأهله، ولكنه لم يبال، وأكمل بشغف قصصه عن القاهرة والإسكندرية اللتين عاش بهما.

    الفتاة لم تحتمل هذا الرغي، فذهبت إلى مبنى آخر وسألتهم، ولكنهم لا يعرفون الإنجليزية. نادت الفتاة على “الرغاي” وطلبت منه أن يترجم لها لأن الناس لا يفهمون ما تقول.

    وبينما الرغاي مشغول، مر بي شخص آخر فسألته كيف نجد أصحاب العصفور البريء هذا. الرجل من أهل برشلونة وبدلًا من أن يرد على سؤالي بالإنجليزية بادرني بالإسبانية: “أبلاس أرابي؟”

    ربما يكون هذا هو السؤال الوحيد الذي أعرفه في الإسبانية، ففرحت وقلت له: “سي أبلا أرابي”

    وبدأنا نتحدث بالعربية. الرجل أفهمني أن هذا النوع من الببغاوات منتشر للغاية في أسبانيا، وأن هذه الطيور أتت على سفينة ما في الماضي ثم هربت وعاشت في البرية، وأنها تتواجد في كل مكان وليست بحاجة إلى رعاية خاصة، تمامًا مثل العصافير التي تعيش في كل مكان في مدننا، ولكن هي فقط أجمل.

    ولكي يخلصني من هم هذا العصفور الجميل، أخذه من يدي وقال لي إن لديه بعضًا منها في بيته وإنه سيضمه إلى مجموعته.

    في البداية ظننته “نشال عصافير”، ولكن جوجل أيّد كلامه وأخبرني أن عصافير برشلونة شاردة في كل مكان فيها 😀

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *