شبكة الأمان

في أوقاتٍ مثل هذه كنت أذهب إلى أبي.

أخترق الطرقات الضيقة، عبر الشارع الصاعد حتى أراه من بعيد.

يشعر بقدومي وكأن همومي سبقتني إليه.

أتطلع إلى عينيه لأرى إن كانت في نفسه فسحة لمزيد من همومي، ويتطلع هو إلى عيني ليستشف ما كان يشغلني.

كان يهُشُ في وجهي ويضع لي كرسيّ المفضل في مكاني المفضل، ثم يشجعني بعينيه أن أتحدث.

في الحقيقة، لم أكن مطلقًا بحاجة إلى حديثٍ أو شكوى صريحة، فقد كان وجودي حوله كافيًا لتهدئتي.

وإن تحدثت، كنت أتحدث بأي شيءٍ خلاف ما كان يشغلني. ولم يكن هو يسأل مطلقًا، ولكن كانت عيناه ترسلان لي عبارات لا تحويها كلمات:

“أنا هنا يا بُنيّ فلا تجزع”

“أيًا ما كان يشغلك يا صغيري، فهو صغير”

رويدًا رويدًا تتبدد شحنتي السلبية، فأهدأ.

أتمتم له بعيوني ممتنًا: “أدامك الله فوق رءوسنا يا أبي”، ثم أرحل، وقد زال عني ما كان بي.

أنا أفتقد هذه اللحظات كثيرًا يا أبي.

أفتقد هذا الوجود المهدئ، وهذه العيون المُطَمْئِنة.

أفتقد شبكة أماني.

أفتقدك كثيرًا يا أبي.

أما كان أولى بالأحبة أن يأتوا إلى هذا العالم معًا ثم يرحلوا معًا؟

6 أفكار بشأن “شبكة الأمان”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *