إيه رأيك في شخص كل ما تقوله كلمة يرد عليك بمثل شعبي؟! هؤلاء الأشخاص يجدون في الموروث الشعبي إطار عمل (شبه إطار عمل دوت نت) يساعدهم على فهم العالم من حولهم والاستجابة له استجابات محسوبة ومدروسة على مر السنين. دار هذا الموضوع في ذهني في أوقات كثيرة.. وآخرها موقف منذ عدة أيام.. مع أحد الباعة في محل ملابس..
دخلت المحل، وانتقلت إلى قسم “العواجيز”.. وكان العامل المختص بهذا القسم غاية في الأناقة والذوق (أنا باتريق طبعاً). نصيحة نقولها لأصحاب المحلات.. (قسم العواجيز محتاج “غزلان” مش “جديان”).. ما علينا.. علشان ما تقولش عني مفتري خليني أوصف لك ببساطة صاحبنا شكله إزاي.. أولاً قصير.. وفاتح القميص لغاية نصه ويظهر من بين ثنايا القميص ثلاث شعرات بالعدد في صدره والفانلة الداخلية اللي “ماتت” من كتر القذارة.. الشنب فيه 23 شعرة أول عن آخر.. كل شعرة في حرب ضروس مع الأخريات.. شعر الرأس عبارة عن “ليفة مواعين” ومتقصف.. وشعر الأنف نازل على شعر الشنب.. والأسنان متفرقة وفقدت هويتها من كتر الشاي والسجائر.. كفاية ولا أكمل؟؟
طبعاً أنا إنسان إيجابي أحب أشوف الخير في كل حاجة.. حاولت ساعتها أستحضر كل الأفكار الإيجابية التي قريتها أو ترجمتها.. حاولت أن أرى الإنسان اللي وراء هذا الشخص (the human behind the beast).. حاولت.. بس بصراحة طلع مفيش إنسان لا وراه ولا قدامه.. كل كلمة أقولها.. يعلق عليها تعليق سخيف.. كل حاجة عنده ليها مثل شعبي يدعم وجهة نظره و”يخلص” المناقشة.. إذا جاءت سيرة القصر والطول يقول: “يا بيه، دا الطول هيبة والقصر خيبة”.. وإذا جاءت سيرة وجوب اهتمام الناس بمظهرهم يقول: “من بره هللا هللا ومن جوه يعلم الله”.. وإذا مرت سيدة ذات مظهر جذاب يقول: “لبس البوصة تبقى عروسة”.. وهكذا..
أنا بصراحة مش فاهم.. إزاي إنسان في موقف حواري واحد يقدر يقول أكثر من 34 مثل شعبي ويدمجهم في الموقف؟!
كل ده كان ممكن استحمله، ولكن الطامة الكبرى كانت في آخر مثل قاله لي.. كنت قد اشتريت ما تيسير من القمصان والبناطيل.. وجاء وقت الحساب.. وقعت عيني على “شراب” بجوار ماكينة الحساب فأمسكت به وقلت الجملة “الجريمة” التي استدعت المثل “الرهيب”.. قلت له: “إيه رأيك ما تديني الشراب ده ببلاش؟” أنا أصلاً قلتها بلهجة هزار.. عندها “ركّب” كل علامات الاستنكار على وجهه وقال: “يا بيه، هو فيه حاجة ببلاش غير العمى والطراش”..
عندها لم أتمالك نفسي.. نظرت إليه بعينين ثابتتين.. وبدأت كل أنواع الشتائم ترد على خاطري دون أن أنطق بها (طراش??.. طراش إيه يا معفن؟؟.. أنا اصلاً مستحملك بالعافية.. والله دا لولا كتب “التوجه الإيجابي” positive attitude اللي بنترجمها كنت عاملتك معاملة زي الزفت.. أنا تقولي لي طراش.. طيب يا رب “أرجّع” في وشك علشان تشوف الطراش ده.. دا إنت “تيت”.. “تيت”.. “تيت”.. (تيت دا الصوت اللي بتسمعه في الأفلام علشان يوغوشوا بيه على الكلام العيب)..
“سرحت في إيه يا بيه؟”، هكذا قال وليس لديه فكرة عما يدور بخاطري.. قلت له ببراءة: “سرحت في المثل اللي قلته.. مفيش مثل تاني يعبر عن نفس المعنى بس من غير عمى وطراش؟”. رد بثقة.. “دا اللي أهلنا علموه لنا.. إنت حضرتك تعرف تألف أمثال؟”.. طبعاً لم يبذل أي مجهود لكي يخفي نبرة الاستخفاف في الجزء الأخير من سؤاله..
صحيح؟ هل أستطيع أن أؤلف مثلاً؟ هل يمكن أن أجد بديلاً عن كلمتي العمى والطراش في هذا المثل الغريب؟ خلليني أحاول.. مثلاً: “مفيش حاجة ببلاش غير لوح الأبلاكاش”.. لأ.. الخشب غالي والناس ممكن تاخد اللوح تعمله “مُلة” للسراير.. طيب.. نحاول تاني.. “مفيش حاجة ببلاش غير حتة القماش”.. طبعاً لأ.. لأن كل الناس ها تاخد حتة القماش والمحل يفلس.. طيب.. أيوه.. لقيتها.. “مفيش حاجة ببلاش غير دخول الدمرداش”..
قلت له المثل.. “مفيش حاجة ببلاش غير دخول الدمرداش”.. شعرت بسعادة غامرة وهو لا يستطيع أن يخفي إعجابه بالبديل الحديث للمثل القديم.. وكيف أن دخول مستشفى الدمرداش الحكومية يمكن أن يكون فعلاً في صعوبة العمى والطراش.. وأن شخصاً عاقلاً واحداً لا يمكن أن يرغب في أن يدخلها، حتى ولو ببلاش..
وقبل أن يفيق من الصدمة الثقافية التي شعر بها عندما وجد أنني أستطيع أن أجاري واضع الأمثال.. قلت له: “مش كل حاجة أهلنا يعلموها لنا تبقى صح.. كل جيل مسئول عن نفسه.. وعن هويته الثقافية.. وعن اختياراته السياسية والفكرية.. وحتى عن اختياراته الدينية.. (ألا تذكر رد القرآن على الكفار عندما قالوا: “هذا ما ألفينا عليه آباءنا”.. ألم يقل “أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون”؟) لازم الإنسان يفكر لنفسه ويفكر في اللي بيقوله.. وفي وقعه على الناس.. ولا يأخذ من انتشار فكر ثقافي معين بديلاً “جاهزاً ومريحاً” للتفكير.. والاجتهاد.. في التفكير.
أخذت الملابس الجديدة وأسرعت من المحل لكي أنعم بفوزي الثقافي الواضح.. وبصراحة خوفاً من أن “يلطشني” مثل ما ألحقش أرد عليه..
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته:
ابى العزيز :جمال عمارة
فى بدايه كلامى اود ان اهنئك على اتمامك لإنشاء الموقع يا أبى العزيز
وإن شاء الله يعود بالخير عليك وعلى من انشئته لهم
كما أود ان اقول لك أنك علمتنى الكثير من انشائك لهذا الموقع حيث انك علمتنى الصبر والصبر ثم الصبر
كما علمتنى وجوب العمل كى احصد النجاح و علمتنى ان _من جد وجد ومن زرع حصد_ اسال الله من ان يعطيك مثل ما اعطيتنى وان يثبت خطاك وان يزيدك علما ويجعلك قدوة لكل من نشد سبيلا فى العلم
لذلك اود ان اقول إننى فعلا فخوره بك لما فعلته وفخوره أيضا ان اكون ابنه (جمال عمارة) كما اود ان اقول لك شكرا من كل القلب على ما فعلته معى وعلى ما علمتنى اياه وانى انتظر منك المزيد
هبة جمال عمارة
والله.. والله.. والله..
ليس في الدنيا أجمل من أن يكبر أبناؤك.. ويقولون لك كلاماً جميلاً مثل هذا..
لو أن في المقام متسع يا بنيتي لعبرت لك عما أكنه لك (ولبقية إخوتك علشان مش عايزين قلق)..
أشكرك يا فلذة كبدي..
أستاذ جمال…
أحب أهنيك أولاً على اتمام انشاء المدونة…
واحب أعلق على موضوع الراجل بتاع الأمثال ده تعليق من جنسه
يعني بمثل شعبي كده
أصعب من رمى الحجر من تحت لفوق ظريف المعاني يعاشر قليل الذوق
هو ده أبلغ مثل يعبر عن واحد بيبيع ويتعامل مع الناس ويقولهم العمى والطراش
وأشكرك جداً على هذه المدونة الرائعة
أشكرك على تعليقك يا أحمد
وفعلاً المثل بتاعك ممتاز.. وينطبق على أخينا 🙂
أشكرك وأتمنى منك المشاركة في كتابة المحتوى على المدونة
You are so funny