في الشرخ الأعظم من حياتي (شرخ؟؟ كده إنت فصيح يعني؟ ما تقول كلام سهل الناس تفهمه).. طيّب.. في معظم حياتي السابقة (لأ.. كده بقى سهل زيادة عن اللزوم، الناس مش ها تحس إنك عميق).. طيّب.. في الجزء الأكبر من حياتي (ماشي.. كده معقول 🙂 )..
ما علينا..
لعدة سنوات من حياتي، كان فطوري الثابت هو سندوتش متين من الفول بالزيت الحار من عم “علي”. الزيت الحار يحتوي على دهون أوميجا-3 شديدة الفائدة، والفول كان “يركب” فوق مراوحي ويجعلني أنسى الأكل حتى أذهب إلى بيتي في الليل..
وبعد فترة، فتح محل فول وطعمية أسفل مكتبنا مباشرة. عندها قررت أن أغامر وأجربه، وطلبت “قائمة الطعام”، وفيها وجدت سندوتش “الصاروخ”، وهو باختصار مزيج من كل شيء موجود في المطعم.. فول وطعمية وبطاطس محمرة ومهروسة وبتنجان مقلي ومخلل وبيض وجبنة وسلطة طحينة (على سبيل المثال لا الحصر). كل هذه المكونات تُوضع في معجزة هندسية متقنة داخل سندوتش واحد صغير يصاحبه في حياء بعض الطرشي مضبوط الملح.
كان السندوتش اكتشافًا هائلاً بالنسبة لي.. وظللت أتناوله في سعادة لعدة أشهر كان عم علي يلح عليّ فيها أن أعود أدراجي إليه بعد أن ألِف شرائي منه كل تلك السنين..
وذات يوم، اتصل بي شخص “عزيز” ليسألني عن شيء، ولسبب لا أتذكره طرحنا الحديث عن الفطور وذكرت له ما أتناوله كل يوم. شرحت له السندوتش، ومكوناته المتعددة التي لا يستطيع الشخص العادي أن يتذكرها جميعًا قط، وشرحت له درجة استمتاعي به..
صرخ “العزيز” وشهق وقال إن مثل هذا السندوتش يمكن أن يتسبب له في انفجار لا يقل ضراوة عن انفجار تشيرنوبل في بطنه، ويمكن أن يسبب له حرقة بالغة وانتفاخًا شديدًا..
تعجبتُ من ذلك، وذكرت له أنني أتناوله يوميًا لشهور طويلة دون أية آثار جانبية..
لن أطيل عليك.. شعرت وقتها بالتليفون وهو يحتر في يدي أكثر من درجة احترار الكرة الأرضية.. ولم يمر وقت طويل يا عزيزي حتى صار مجرد التفكير في هذا السندوتش يسبب لي انتفاخًا لا يقل في حجمه عن الحامل في شهرها التاسع 😀
المهم أني توقفت تمامًا عن تناول الفول بكافة مشتقاته، وعن تناول معظم المقليات، وعن تناول معظم أشكال الكربوهيدرات (بسبب كتاب “The Grain Brain”، ولكن هذا موضوع آخر).. والحمد لله صار الانتفاخ مجرد ذكرى سيئة، وخسرت أيضًا عدة كيلوجرامات من وزني..
لكن بين الحين والآخر، أشتهي أيام الفول، وأتذكر كيف كان السندوتش يستقر في قاع المعدة ولا يغادرها طوال اليوم مما كان يعفيني من الحاجة إلى تناول أي طعام بقية اليوم.. وأشتاق إلى أن أبتعد قليلاً عن الفاكهة التي تُهضم في 13 دقيقة وتتركني أشعر بخواء داخلي..
المهم بالأمس شعرت بحنين بالغ إلى سندوتش الفول، وإلى طعم الزيت الحار ورائحته التي لا تختفي إلا بعد آذان العصر.. وظللت لدقائق عديدة أحاول أن أثني نفسي عن هذه الفعلة النكراء، ولكن لا فائدة.. أقول لنفسي إنني إن فعلتها انتفخت.. لا فائدة.. إن فعلتها أفقد مقاومتي وقد أعود مجدد إلى ما كان يؤذيني.. لا فائدة..
وقد كان..
تناولت السندوتش، وبقيت طوال اليوم مترقبًا ما سيحدث.. والحمد لله لم يخب ظني.. انتفاخ “بشع” تركني لاهث الأنفاس.. مضطرب الوجدان.. أنتظر أن يمن الله عليّ بالفرج وينقضي اليوم حتى أتخلص من هذا العبء الكئيب..
واليوم وأنا أجري، كنت أرى “كرشي” يسبقني طوال الوقت، وأشعر بأنفاسي قصيرة ومتلاحقة.. ورأسي مليء باللوم والتقريع الذاتي..
لماذا نفعل أشياء تؤذينا ولا تفيد أحدًا؟ أكان السندوتش ضروريًا إلى هذا الحد؟ لماذا انتصرت شهيتي على عزيمتي وانضباطي الذاتي واستسلمت لطعم الزيت الحار والبتنجان المخلل؟ لماذا لا نقاوم الأشياء التي نعرف أنها ستضرنا -أو على الأقل لن تفيدنا- ونترك أنفسنا فريسة لها؟
هل لازلت أتذكر طعم الفول والزيت الحار الشهي وأنا أجري حاملاً هذا الكرش المنتفخ؟ بالطبع لا. هل تستحق لحظة متعة كل هذا الكرب؟ بالقطع لا.
جرّ هذا الخيط من الأفكار وراءه خيطًا أكبر..
إذا لم نحفظ أنفسنا، فكيف نتوقع من الآخرين أن يحافظوا علينا؟ وإذا لم يكن خاطرنا غاليًا علينا، فكيف سيكون على غيرنا؟
يجب أن تزداد قيمتنا عند أنفسنا أولاً حتى تزداد لدى الآخرين..
أنهيت الجرية، وعدت أدراجي إلى بيتي، وأن أتخيل أنني إن أصبحت رئيسًا للجمهورية -أو حتى محافظًا للقاهرة- أني سأشرع فورًا في معاقبة جميع أصحاب عربات الفول، وأنا العقوبة ستتناسب طرديًا مع حلاوة الفول و “تحبيشته” 😀
وإن لم أستطع هذا، على الأقل سأشرّع قانونًا يجبر أصحاب الفول على وضع مقياس للانتفاخ بجوار العربة، وأن يتم تسعير سندوتش الفول بحسب درجة الانتفاخ التي يسببها.. (اديني واحد انتفاخ 3 سم بالطحينة، وواحد 2.5 انتفاخ بالدقة من فضلك)
😀
رائعة
جميلة جدا