في الصباح الباكر، اتكأت على الكنبة الأثيرة أشاهد القناة الأثيرة.. “ناشيونال جيوجرافيك”.
كان البرنامج عن براري شمال أوروبا، وعن فصل الصيف وازدهار الحياة فيه بعد إصابتها بما يُشبه الجمود في الشتاء.
ثم ظهرن على الشاشة..
مجموعة من صغيرات الأوز حديثات الولادة..
ياله من منظر رائع..
صغار الحيوان، مثلها مثل صغار البشر، تخطف الألباب.
كانت الصغيرات تتنافسن لكي تطللن برأسهن خارج العش الذي اختارته الأم في قلب شجرة سامقة.
لعلها كانت أول مرة ترين العالم الذي يقع خلف جدران العش المرتفعة.
“صوصوة” الصغيرات لا تُقاوم.. وإذا كنت تهوى مراقبة الحيوانات مثلي، فإن تلك الصوصوة سترسم البسمة على شفتيك، وستري هذه البسمة عبر خلايا جسدك لتغيّر حالتك المزاجية فورًا.
ثم حانت لحظة مغادرة العش، والقفز من أعلى الشجرة إلى سفح الأرض.
الأم لديها غريزة لا تُخطئ لمعرفة اللحظة المناسبة للقيام بقفزة الثقة هذه. والصغيرات لديهن حس لا يُخطئ أنهن يجب أن يتبعن الأم.
ولكن هناك الكثير من المخلوقات “الأخرى” تجلس في انتظار هذه اللحظة أيضًا. فالكثير من المفترسات تنتظر خروج الأوزات الصغيرة من أعشاشهن.
بعض مخرجي الوثائقيات يكونون “حسني السير والسلوك” ويكتفون بالسرد اللفظي للأخطار التي قد تتعرض لها الأوزات فور احتكاكهن بالعالم الخارجي.
والبعض الآخر ينتمي إلى مدرسة الواقعية، ويؤمن بقول ترومان الشهير: “إذا لم تستطع تحمّل الحرارة، فاخرج من المطبخ”. وكأن لسان حاله يقول: “لن أرسم لك صورة رومانسية. اجلس وشاهد ما يحدث في الواقع كما يحدث أو قم ترجم لك صفحتين ينفعوك” 😀
وقد كان.
قفزت الأم بكل رشاقة من العش إلى الأرض. ثم ظلت تنادي صغيراتها.
في مشهد بديع، بدأت رقصة الثقة. الصغيرات تقفزن واحدة وراء الأخرى خلف الأم. تقفزن وكأنهن تعرفن يقينًا أنه لن يصيبهن ضرٌ من اتباع الأم.
تطير الصغيرات الواحدة تلو الأخرى في الهواء، فترتطم بالأرض على زُريعات صغيرة تمتص معظم الصدمة، ثم يتولى الريش البازغ في الأوزات امتصاص ما بقي من الصدمة. فتجد الأويزة تقفز فترتطم فتقف. ثم تجري خلف الأم كأنها لم تقفز من ارتفاع أمتار عديدة.
كلهن قفزن عدا واحدة.
ترددت. ثم خافت. ثم تلكلأت وتلكأت.
وكما قال المعلق: “لاحظ الجيران ذلك”.
الجار كان طائر نورس ضخم. لم يتردد لحظة في غزو العش. وفي ثانية واحدة أمسك برقبة الأوزة الصغيرة. وأطاحها يمنة ويسارًا. ثم التهمها في قضمة واحدة.
في الثانية السابقة كانت الأوزة على باب العش تصوص لأمها. وفي الثانية التالية كانت مستقرة في بطن طائر النورس.
“يا للقسوة”. لعلك تقول ذلك في نفسك.
ولكن، هل الحياة قاسية فعلاً؟
هذا ما تقوله أي مشاهدة بسيطة لعالم الحيوان.
وهذا ما يقوله التاريخ المزري للبشر.
لن أحدثك عن أهوال الحروب.
ولن أحدثك عن استعباد أجناس بأكملها.
ولكن هناك وجه آخر لهذا المشهد.
فطائر النورس يريد إطعام صغاره أيضًا.
طائر النورس يريد أن “يحنو” على صغاره ويرعاها ويقدم لها الطعام.
وليس معنى أنك تحب صغيرات الأوز وصوصواتهم الجميلة أنهن يجب أن تصبحن محصنات ضد قانون الطبيعة.
أثار هذا في ذهني ما أقوله لأبنائي دائمًا..
الحياة ليست قاسية وليست حانية.. الحياة هي الحياة..
افتح عينيك وانظر وتأمل..
وشاهد كيف تسير الأمور وحسب..
وسترى مشاهد متعددة متناقضة..
سترى قمة العطف، وقمة القسوة.
سترى السعي الدءوب والاستهتار المذموم.
سترى من يسعى ليُطعِم، ومن يهذر ليسفك الدماء سدى.
سترى، وسترى..
وستمنعك الرؤية من تكوين نظرة أحادية الجانب.
ستمنعك من قول عبارات سطحية مثل: “الحياة جميلة”.. أو “الحياة قاسية”..
ستشدك الرؤية تجاه العبارة الأكثر واقعية.. “الحياة هي الحياة”..
..
نعم.. الحياة ليست حانية وليست قاسية.. الحيلة هي الحياة..
We may not always like it but we are strong enough to overcome it.. we just need to be strong enough to seize the moment = )
جميلة جدا ما شاء الله
Life is Life * a name of a song too..but it talks about other aspects of life..