لا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي شاهدت فيها الجزء الأول من فيلم The Matrix، ولكني بالتأكيد سأجلس لأشاهده بنهم في كل مرة يُعرض فيها، وسأستمتع بالأفكار التي يطرحها بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.
فكرة الفيلم هي أننا نعيش في “محاكاة”، وليس في “الواقع”. وما يجعل هذه الفكرة مثيرة للخيال -على الأقل بالنسبة لي- هو أن المخ البشري “ابن مجنونة” 😀
فمخك يستطيع خداعك بطرق لا حصر لها، ويستطيع أن يُلبس الواقع حلة الخيال، وأن يمنح الخيال مصداقية الواقع.
من القصص التي أحب أن أحكيها عن شيء رأيته بعيني، والتي يجدها البعض مخيفة إلى حد ما، هي قصة حدثت عندما كان أبي -رحمة الله عليه- في المستشفى مصابًا بجلطة في المخ.
كان أبي قد بدأ يتعافى من الجلطة عندما دخل مريض آخر في نفس القسم. هذا المريض كان في العقد السادس ولديه أولاد ويعيش حياة مستقرة للغاية. ثم تعرّض لحادث سيارة أصابه إصابة بالغة في رأسه. الإصابة أدت إلى شيء لا يمكن أن تتخيله، فقد جعلته يرى “هلاوس” بصرية.
كان الرجل يجلس بالساعات يصرخ في الممرضات وينهرهن لماذا يتركن هذا “اللص” يقف أمامه هكذا. كان صراخ الرجل حقيقيًا لدرجة أثارت فضولي، وجعلتني أقترب من الممرضات أسألهن عن حالته وسبب صراخه.
فهمت منهن أن الإصابة أضرت بمخه مما سبب له رؤية هذه “الهلاوس” التي لا تمت للواقع بصلة. وفهمت أنهن يدخرن الحقنة المهدئة إلى الليل حتى يمكنه أن ينام -هو والمرضى الآخرون- في هدوء. وأن الأطباء لا يستطيعون إعطاءه المزيد من الحقن المهدئة حتى لا يعتاد المخ عليها ويطالب بالمزيد.
أثارت الحالة فضولي بشكل لا يُصدق. فقد كنت أنظر إلى الرجل وهو يصرخ، وأرى مدى “صدقه” في اعتقاده بوجود لص يحوم حوله.
أي لعبة سخيفة تلك التي يلعبها مخه عليه؟ هرعت وقتها إلى الإنترنت فقرأت أنه من غير المستغرب أن تؤدي الإصابات البالغة في المخ إلى حالات مشابهة (مثلاً، انظر هنا).
المخ معجزة بكل المقاييس. وكلما قرأت عنه ازددت منه تعجبًا. فالمخ ليس فيه “ذكريات” أو “معارف”، وإنما هي جميعها تفاعلات كهروكيميائية. فمادة كيميائية معينة تشعرك بالاطمئنان، وأخرى تشعرك بالخوف، وثالثة تشعرك بالحب..
ليس معنى ذلك أنني أستطيع أن أعطيك حقنة فتقع في غرام أول شخص تراه، فالمخ أكثر تعقيدًا من هذا بكثير، ولكن الفكرة صحيحة رغم ذلك. فمعظم علاجات الاكتئاب، على سبيل المثال، تزيد من مادة السيروتونين في المخ، مما قد يفك أسر هذا الوحش القابع على رءوس من ابتلاهم الله به.
ولأن المخ يعتمد على التفاعلات الكيميائية، فمن الممكن “خداعه” بسهولة. في الحقيقة، هو يمارس هذا الخداع دومًا دون أي تدخل منك، ودون أي داعٍ ربما. هل تجادلت يومًا مع صديق لك بشأن أمر ما وقع في الماضي وهو يقول إنه وقع في مكان أو وقت ما وأنت مصمم على أنه وقع في مكان أو وقت مختلف؟ إذا كانت حياتك حافلة مع أصدقائك، فإن هذا الأمر لا شك تكرر كثيرًا.
في مثل هذه الجدالات، يجب أن تدرك أن مخ أحدكما “بيستهبل”، ويقوم بتزييف الذكرى، أو استبدالها، أو تحريفها. ورغم أنك -أو صديقك- متأكد يقينًا أن ما تتذكره هو النسخة الواقعية للأمر محل الخلاف، فإن أحدكما على خطأ، ومخه التبس عليه الأمر.
في فيلم ذا ماتريكس، يقطع “سيفر” قطعة اللحم الشهية ثم يرفعها إلى فمه ويقول للعميل سميث: “أنا أعرف أن قطعة اللحم هذه غير موجودة، وأعرف أن الآلات ستصدر ذبذبات كهربائية إلى مخي فيشعر بطعم اللحم الطري”..
الفكرة مرعبة بكل تأكيد. ولكنها ليست الفكرة الأكثر رعبًا 😀
هل تعلم أن هناك نظرية تقول إن كل الكون الذي نعيش فيه هو عبارة عن “محاكاة”؟ (مثلاً، انظر هنا، و هنا).
تقول “النظرية” إن حضارة “ما بعد البشر” ستكون لديها إمكانيات كمبيوتر هائلة تمكنها من إنشاء محاكاة على هذا القدر الهائل من التفاصيل، وأنه من المحتمل -على الأقل من الناحية المنطقية- أننا نعيش في محاكاة على جهاز كمبيوتر ضخم ونحن لا ندري.
يا سنة “سوخة”؟! على رأي رامي قشوع 😀
إذا كنت تظن أن هذه الفكرة “هبلة”، فربما لديك بعض العذر في ذلك، ولكني أنصحك بمشاهدة ألعاب “الذكاء الاصطناعي” على الكمبيوتر الشخصي أو البلاي ستيشن.
كنت ذلك اليوم أجلس أشاهد مصطفى وهو يلعب لعبة GTA على البلاي ستيشن، وأستغرب من الشوط الهائل الذي قطعه المبرمجون في إضفاء الواقعية والتفاصيل بالغة الدقة على الألعاب. كان هناك مجموعة من “الأشخاص” في اللعبة الذي يحركهم الذكاء الاصطناعي وليس اللاعب أو اللاعبين البشر.
تخيل لو أن أحد هذه الشخصيات اكتسب “وعيًا”، فماذا سيظن؟
سيتخيل أن العالم هو هذه اللعبة التي يعيش فيها.
فكيف إذا حاولت إقناعه بأنه مجرد مجموعة أوامر برمجية تعيش على شرائح ذاكرة يتحكم فيها معالج مركزي، وأن هناك ملايين الشخصيات مثله، وربما ملايين النسخ منه، على أجهزة مختلفة يتحكم فيها أطفال “آدميون” 😀
هيه.. ما علينا.. نرجع للترجمة أحسن 😀
جميلة جدا